لقد كان لي الشرف أن أعمل مع العلامة الشيخ محمد سالم ولد عدود رحمه الله تعالى حيث كنت نائبا له و هو إذاك رئيس للمحكمة العليا وقد بهرني بعلمه الموسوعي و تواضعه الجم و أخلاقه السمحة و هديه القويم.
فجليسه بقدر ما يتعلم من علمه الغزير يتعلم في نفس الوقت من أخلاقه و حسن سمته و هديه الذي يمثل بحق أخلاق العلماء من الرعيل الأول
أما عن علمه فهو من العلماء الراسخين في العلم في جميع فروعه وتخصصاته و على سبيل المثال لا الحصر فهو من القلائل الذين يرجع إليهم في علم التوحيد و ما يتعلق به و لذلك نظم عقائد خليل ضمن نظمه لمختصر خليل بعد ما تناساه طلبة العلم و هو من علماء القرءان و التالين له و العارفين بأحكامه ناسخة ومنسوخة و أسباب نزوله و محكمه و متشابهه و هو فقيه أصولي متمكنأما علوم العربية فحدث عنه و لا حرج فهو نحوي صيرفي لغوي و أديب وشاعر لا يشق له غبار راوية لأشعار العرب عارفا بأنساب العرب و أيامها و خاصة ما يتعلق بقريش و العدنانيين عامة لما حباهم الله به من آصرة القربى بالنبي صلى الله عليه وسلم أضف إلى ذلك كل ما يتعلق بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم و أصحابه الكرام.
فهو عندما يذكر –في ثنايا حديثه الشيق- بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يسلسل نسبه إلى حيث يوصله إلى أصل شجرة نسب العدنانيين أو القحطانيين و بالجملة فثقافته الواسعة المتكاملة يعجز التعبير عن مداها و شموليتها.
و لي مع سماحته ذكريات نذكر بعضا منها
ففي فترة لقائي الأول معه كنت شابا لم أبلغ الثلاثين من العمر و قدر لي أنني بعد التعليم المحظري كنت أرغب في الدراسة في بعض الجامعات و أثناء ذلك شاركت في امتحان مباشر لاكتتاب القضاة و نجحت فيه و عملت لعدة سنوات قاضيا في بعض المحاكم (محاكم المقاطعات) و في تلك السنوات التقيت بالشيخ محمد سالم فقال لي: أنت شاب في مقتبل العمر و لا يناسبك أن تبقى محصورا في عمل المحاكم في المقاطعات و كان ذلك قبل توحيد أسلاك القضاء و تمثل بقول الشاعر
ولم أر في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام
و عملت بمشورته التي تتفق مع ما كنت أتوق إليه من قبل
و أتذكر في الفترة التي تم فيها تطبيق الشريعة الإسلامية بالنسبة لجميع القوانين في البلاد أن ترتب على ذلك تشكيل لجنة من العلماء و القضاة لمراجعة النصوص القانونية و تشرفت أن كنت مقررا لهذه اللجنة و عند بداية عملنا قال الشيخ محمد سالم ولد عدود رحمه الله تعالى: أيها السادة عليكم أن تختاروا بين طريقتين للعمل إما:
و عملت بمشورته التي تتفق مع ما كنت أتوق إليه من قبل
و أتذكر في الفترة التي تم فيها تطبيق الشريعة الإسلامية بالنسبة لجميع القوانين في البلاد أن ترتب على ذلك تشكيل لجنة من العلماء و القضاة لمراجعة النصوص القانونية و تشرفت أن كنت مقررا لهذه اللجنة و عند بداية عملنا قال الشيخ محمد سالم ولد عدود رحمه الله تعالى: أيها السادة عليكم أن تختاروا بين طريقتين للعمل إما:
تقنين الفقه
أو تفقيه القانون
و هذا الكلام نموذج لبلاغته غير المتكلفة بمعنى إما أن نختار بين
تقنين الفقه أي وضع نصوص قانونية مصدرها الفقه أو تفقيه القانون و يعني ذلك مراجعة كل القوانين ذات الصلة و ملاءمتها مع الفقه و تنقيتها من كل المسائل التي تنافي الشرع الإسلامي و اخترنا هذه الطريقة التي هي تفقيه القانون.
- و من ذكرياتي معه أنني كنت معه في مكتبه ودخل علينا بعض كبار الوجهاء من حيث النسب والحسب و كانت مهمته الاحتجاج على حكم صدر ضده في المحكمة العليا و أذكر أنني من أصدر هذا الحكم فقتال له الشيخ محمد سالم على رسلك ليكن في علمك أننا هنا نصدر الأحكام بتجرد كامل خال من الخوف و الطمع.
- و من الطرائف التي أتذكرها عن الفقيد رحمه الله أنني في يوم من الأيام و أنا إذ ذاك نائبه الأول في المحكمة العليا كنت أريد مراجعته في شأن من شؤون العمل فقيل لي أن معه الأستاذ محمد شين ولد محمادو رحمه الله تعالى و هو إذ ذاك عميد المحامين و كررت السؤال هل فرغ السيد الرئيس من مقابلته فكان الجواب دائما بالنفي
- و من الطرائف التي أتذكرها عن الفقيد رحمه الله أنني في يوم من الأيام و أنا إذ ذاك نائبه الأول في المحكمة العليا كنت أريد مراجعته في شأن من شؤون العمل فقيل لي أن معه الأستاذ محمد شين ولد محمادو رحمه الله تعالى و هو إذ ذاك عميد المحامين و كررت السؤال هل فرغ السيد الرئيس من مقابلته فكان الجواب دائما بالنفي
و لما طال الوقت دخلت عليه في المكتب و كنت أسائل نفسي ما هو موضوع الحديث بين رئيس المحكمة العليا و نقيب المحامين و وجدت الجواب في حديثهما لما دخلت
فإذا بالشيخ محمد سالم طيلة الوقت يسأل ذ/ محمد شين عن بعض غرائب الأدب الشعبي و روائعه مثل هل تحفظ أم أرثم ؟ هل تحفظ الرسم ؟ ...إلخ و في كل ذلك يكون الشيخ محمد سالم هو السائل و المجيب في نفس الوقت فتعجبت من سعة ثقافة هذا البحر الذي لا ساحل لهو من المعروف أن الشيخ محمد سالم يجيد نظم الشعر الشعبي (لغن) كما يجيد الشعر العربي دون تمييز.
و لما عين وزيرا للثقافة قلت له وقت وداعه: قد تلاحظون أني كنت أعاملكم دون تكلف و لا تحفظ و مرد ذلك إلى عظيم ثقتي فيكم و أنكم عندي أكبر من ذلك كله فأنتم بالنسبة لي مثل ما قال القائل لمعاوية رضي الله عنه:
و لما عين وزيرا للثقافة قلت له وقت وداعه: قد تلاحظون أني كنت أعاملكم دون تكلف و لا تحفظ و مرد ذلك إلى عظيم ثقتي فيكم و أنكم عندي أكبر من ذلك كله فأنتم بالنسبة لي مثل ما قال القائل لمعاوية رضي الله عنه:
نميل على جوانبه كأنا نميل إذا نميل على أبينا
و من المعروف عن الشيخ محمد سالم تمكنه من قرض الشعر بجميع بحوره
و لذلك فإنه زمن دراسته للقانون بتونس كان ينظم جميع المحاضرات التي تقدم له و لزملائه.
و لذلك فإنه زمن دراسته للقانون بتونس كان ينظم جميع المحاضرات التي تقدم له و لزملائه.
فقد نظم مبادئ القانون الدولي و القانون الإداري
و قد اطلعت على عدد من مجلة القانون الإداري التي تصدر في مصر و تم في هذا العدد نشر نظمه في القانون الإداري و علق علية الدكتور المصري المشهور الطماوي المتخصص في القانون الإداري
و مما قال: أردت أن أطلع كل الإخوة العرب على مدى تمكن إخوانهم في موريتانيا من تطويع اللغة العربية و الإتيان فيها نظما بما يعجز غيرهم عن الإتيان به نثرا إهـ.
و هذا قليل من كثير
رحم الله قاضي الفقهاء و فقيه القضاة العلامة محمد سالم ولد عدود و أسكنه فسيح جناته
و ألهمنا جميعا حسن العزاء فيه فمصيبة تعم المسلمين عامة و الموريتانيين خاصة
فقد ورد في كتاب الاستذكار في فقه علاء الأمصار أن التعزية تشمل كل من له صلة بالميت صغيرا كان أو كبيرا ذكرا كان أو أنثى.
و أبقى الله البركة خالدة تالدة في بيته الكريم بيت العلم والأخلاق و كل الشيم الفاضلة
و إنا لله و أنا إليه راجعون
عبد الله ابن على سالم
و ألهمنا جميعا حسن العزاء فيه فمصيبة تعم المسلمين عامة و الموريتانيين خاصة
فقد ورد في كتاب الاستذكار في فقه علاء الأمصار أن التعزية تشمل كل من له صلة بالميت صغيرا كان أو كبيرا ذكرا كان أو أنثى.
و أبقى الله البركة خالدة تالدة في بيته الكريم بيت العلم والأخلاق و كل الشيم الفاضلة
و إنا لله و أنا إليه راجعون
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق