الجمعة، ١٥ مايو ٢٠٠٩

الإمام بداه ابن البصيرى


محمد عبد الله ولد البصير ي
إن العين لتدمع، والقلب ليخشع، ولا نقول إلا ما يرضي الله وإنا بفراقك يا إمامنا وشيخنا الجليل لمحزونون.. إنا لله وإنا إليه راجعون..
فقدناك يا شيخ المشايخ، وإمام المحققين .. فقدناك يا قطب المعارف وعنوان العلوم ومنبع القيم.. يا نور البصائر ومبعث حياة القلوب..

فقدناك أبا حنونا وكافلا عطوفا ومربيا ظريفا .. وفقدت برحيلك الأمة الإسلامية العلامة المحقق المتبصر محمد بن البصيري المعروف بلقبه "بَداه "، الذي ملأت علومه مسامع التاريخ وأنارت دروسه ومؤلفاته مجاهل الكون، والإمام الفريد الذي انتهت إليه الإمامة في العلم والعمل فرسخ التوفيق بين العقل والنقل، وجدد علوم الدين ومعالم السنة ، وقمع الباطل بالحق، ودافع الشبهة بالحجة، و حارب البدع بإحياء السنن.
فقدناك يا شيخ المشايخ، وإمام المحققين .. فقدناك يا أعلى منارة في بلاد شنقيط، وأمنع رباط للدعوة على ثغور صحراء المرابطين، بل أعتى قلعة من قلاع الذود عن حياض السنة والذب عن بيضة الإسلام.

ليس رحيلك، يا إمامنا الفريد مجرد صعود روح طاهرة إلى بارئ النفوس، إنه مكتبة تحترق، وكنز بشري يختفي، وتراث حضاري يضيع.. إنه جامعة توصد أبوابها، ومحظرة تقوض خيامها ومنبر للدعوة ينهار على مواجع الزمن.

وضعت " الحجر الأساس لمن أراد شرعة خير الناس" وصدعت بـ"القول السديد في الرد على أهل التقليد "فسلكت بنا" أسنى المسالك "ونثرت" الدر النضيد في علم الكلام و حقيقة التوحيد "وجهزت "الكتائب الشرعية في صد هجوم القوانين الوضعية " وهديت "تحفة الكرام في بيان الحلال و الحرام " وبينت "مبادئ الرسوخ في معرفة الناسخ و المنسوخ"...
شيدت بمؤلفاتك صرحا من صروح المعرفة وطودا شامخا من العلوم الشرعية، ورفعت منارة فيض تنير أرجاء المعمورة ومسالك الوجود، ورسمت معالم الطريق طريق الهداية السمحة والشريعة الغراء.
يا صاحب "القول السديد" و"الحجج المتكاثرة"، ويا رائد "العمل بالراجح" و"الانتصار للسنة" ويا واهبا " إسعاف الظرفاء" و "تنبيه الحيارى" ويا هاديا إلى "منح الجليل" و"نيل السول في مبادئ الأصول"، كل حرف سطرته يراعتك الزكية سيبقى شذاه يعطر الحقب، ونوره يشع في ظلمات الجهل.
امتثلت حديث " الدين النصيحة"، لله: بتوحيده وإخلاص النية في عبادته وتحكيم شرعه والحرص على طاعته وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ولكتابه: بتعظيمه وتلاوته والوقوف عند أحكامه وتعلم وتدريس علومه، ولرسوله: بالإيمان به وتعزيره وتوقيره وتعظيمه وإحياء سنته، ولأئمة المسلمين: بتقويم المعوج وتذكير الغافل والعون على الحق وبيان حقوق الرعية، ولعامة المسلمين بإرشادهم إلى مصالحهم وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم وتعليم جاهلهم وتذكير غافلهم وإسداء النصح لهم وستر عوراتهم وسد خلاتهم.
أخذت بناصية العلم إلى مراقي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وملكت الجرأة على الحق لا تأخذك في الله لومة لائم. لم تصانع سلطانا ولم تهادن حاكما ولم ترضخ لضغط جماعة ولم تركن إلى مآثر المناصب والامتيازات.
لم تكن "بحاجة إلى سيارة ولا إلى عمارة ولا إلى راتب,,," كما كنت تقول طيلة حياتك على أمواج الأثير، ولست بحاجة إلى "ميدالية فارس في رتبة الاستحقاق الوطني" ولا إلى جائزة "نوبل" للعلوم الشرعية، فأنت أعظم وأجل من كل ذلك، لا يجزي فيض عطائك وسيب نوالك وسخ الدنيا ولا تريد من المخلوقات جزاء ولا شكورا. فقد عرفناك زاهدا في الحياة الدنيا عزوفا عن امتيازاتها معتبرا إياها دار عبور ومطية عمل، لا تخاف إلا الله عز وجل ولا ترجو إلا فضل ذي الجلال والإكرام.
ذلك فيض من غيض، فمن يحصي مناقبك؟ ومن يحيط بما تخفيه يمينك عن شمالك؟ جل الخطب وعظمت الفاجعة ، لكن المؤمن مهما شق الصبر وجمحت العاطفة وشطحت الأحزان، يبقى مزموما بزمام الشرع وملجما بلجام التسليم لقضاء الله وقدره.
يعزينا فيك، يا إمامنا الجليل، فضل الرؤوف وسعة رحمته وما وعد به عباده الصالحين، ثم نصيبك من وراثة الأنبياء، وسلف صالح يدعو بالخير، وعلم بثثته في صدور الرجال، وصدقات جارية مذ نعومة أظافرك، وحديث عمر التسعين. أسكنك الله فسيح جناته وعظم أجرنا من بعدك.

غيض العلم، وهد ركن الدعوة، وتصدعت قواعد القيم.. تفطرت الأكباد، وعيي اللسان، لكن القلم أبى إلا أن يذرف دمعة حبر على صفحة الأسى ولوعة الفراق..
اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده। ثم الصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

فى رثاء: الإمام بداه ابن البصيرى

الله أكبر إن الخطب قد عظـــــــما مصيبة الدين في فقداننا العـلمـــــــــــا

إن العلوم غدت في اللحد مدرجــة مذ فقد طودين قد كانا لها علمـــــــــــا

فالأرض هزت ودمع الغيم منهمل والبحر زمجر والشمس اختفت سقمـا

لنا عزاء بفقد المصطفى سلفـــــــا فا الرزء من بعده سهل وإن عظمـــــا


الشاعرة : آسية /أحمد رمظان


ليست هناك تعليقات:

بحث هذه المدونة الإلكترونية

المتابعون