الخميس، ٢٨ مايو ٢٠٠٩

غسل الميت

ـ ينبغي للمسلم أن يستعد لنزول الموت به بالإكثار من الأعمال الصالحة والابتعاد عن المحرمات ، وأن يكون الموت حاضراً في ذهنه ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( أكثروا من ذكر هادم اللذات ) رواه الترمذي وصححه الألباني في الإرواء (682)
ـ إذا مات المسلم فإنه ينبغي على من عنده عدة أشياء :
1- أن يغمضوا عينيه ، لأنه صلى الله عليه وسلم أغمض عينَي أبي سلمة رضي الله عنه وقال : ( إن الروح إذا قُبض تبعه البصر ) رواه مسلم .
2- أن يلينوا مفاصله لكي لا تتصلب ، ويضعوا على بطنه شيئاً حتى لا ينتفخ .
3- أن يغطوه بثوب يستر جميع بدنه ، لقول عائشة رضي الله عنها : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي سُجِّي ببُرد حَبره ) متفق عليه ، أي غطي بثوب مخطط .
4- أن يُعَجلوا بتجهيزه والصلاة عليه ودفنه ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( أسرعوا بالجنازة ) متفق عليه .
5- أن يدفنوه في البلد الذي مات فيه ، لأنه صلى الله عليه وسلم يوم أحد أمر أن يدفن القتلى في مضاجعهم – أي أماكنهم – ولا يُنْقلوا ، رواه أهل السنن ، وصححه الألباني في أحكام الجنائز (ص14) .
ـ غسل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه فرضُ كفاية إذا قام به بعض المسلمين سقط الإثم عن الباقين .
ـ أولى الناس بغسل الميت وصيُه ، أي الذي أوصى له الميت أن يقوم بغسله .
ـ ثم أبوه لأنه أشد شفقة وأعلم من الابن ، ثم الأقرب فالأقرب .
ـ الأنثى تغسلها وصيتها ، ثم أمها ثم ابتنها ثم القربى فالقربى .
ـ للزوج أن يغسل زوجته لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة – رضي الله عنها - : ( ما ضرك لو مت قبلي فغسلتك ... ) حديث صحيح رواه احمد ، ينظر تخريجه في رسالة (الغسل والكفن) للشيخ مصطفى العدوي (صفحة 46) ، وللزوجة أن تغسل زوجها ، لأن أبا بكر أوصَى أن تغسله زَوجته . أخرجه عبد الرزاق في المصنف (رقم 6117) .
ـ للرجل والمرأة غسل من له أقل من سبع سنين ، سواء كان ذكراً أو أنثى ، لأن عورته لا حكم لها .
ـ إذا مات رجل بين نساء ، أو امرأة بين رجال ، فلا يُغَسل بل يُيَمم ، وذلك بأن يضرب أحد الحاضرين التراب بيديه ثم يمسح بهما وجه الميت وكفيه .
ـ يَحرم أن يغسّل المسلمُ الكافر أو يدفنه ، لقوله تعالى : { ولا تصل على أحد منهم مات أبداً } سورة التوبة84 فإذا نهي عن الصلاة عليهم وهي أعظم ، نهي عما دونها
ـ يسن عند تغسيل الميت أن يستر عورته ثم يجرده من ثيابه ، ويستره عن عيون الناس ، لأنه قد يكون على حال مكروهة أنظر صورة 1 ،




ثم يرفع رأسه إلى قرب جلوسه ، ويعصر بطنه برفق ليخرج الأذى منه ، ويُكثر صب الماء حينئذ ليذهب ما يخرج من الأذى أنظر صورة 2 ।





ـ ثم يلف الغاسل على يده خرقة أو ( قفاز ) فينجّي بها الميت ( أي يغسل فرجيه ) دون أن يرى عورته أو يمسها ، إذا كان للميت سبع سنين فأكثر أنظر صورة 3 ،


ثم يسمي ويوضئه كوضوء الصلاة ، لقوله صلى الله عليه وسلم لغاسلات ابنته زينب : ( ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها ) متفق عليه ، ولكن لا يُدخل الماء في أنفه ولا فمه ، بل يُدخل الغاسل أصبعيه ملفوفاً بهما خرقة مبلولة بين شفتي الميت فيمسح أسنانه ، وفي منخريه فينظفهما ، ثم يستحب أن يغسل برغوة السدر رأسه ولحيته
أنظر صورة 4 و 5 ، وباقي السدر لجسده











ـ ثم يغسل جانبه الأيمن من جهة الأمام كما في صورة 6 ،





ومن جهة الخلف كما في صورة 7

، وهكذا يفعل بجانبه الأيسر ، للحديث السابق : ( ابدأن بميامنها ) ثم يعيد ذلك مرة ثانية وثالثة لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق : ( اغسلنها ثلاثاً ) وفي كل مرة يمر الغاسل بيده على بطن الميت ، فإذا خرج منه أذى نظفه
للغاسل أن يزيد في الغسلات على ثلاث مرات ، حتى ولو جاوز السبع إذا احتاج لذلك .
ـ يسن أن يجعل في الغسلة الأخيرة ( كافوراً ) لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق ( اجعلن في الغسلة الأخيرة كافوراً ) وهو طيب معروف بارد تطرد رائحته الحشرات ، أنظر صورة 8 .
ـ يُستحب أن يُغسل الميت بماء بارد إلا إذا احتاج الغاسل للماء الحار بسبب كثرة الأوساخ على جسد الميت ، وله أن يستعمل الصابون لإزالة الوسخ ، ولكن لا يفركه بشدة لكي لا يتشطب جلده ، وله أن ينظف أسنانه بعود تخليل الأسنان .
ـ يستحب قص شارب الميت وتقليم أظافره إذا طالت طولاً غير عادي ، أما شعر الإبط والعانة فإنه لا يقص شعرهما .
ـ لا يستحب تسريح شعر الميت لأنه سيتساقط ويتقطع ، أما المرأة فيظفر شعرها ثلاث ظفائر ويُسدل وراء ظهرها .
ـ يستحب أن ينشف الميت بعد غسله .
ـ إذا خرج من الميت أذى ( بول أو غائط أو دم ) بعد سبع غسلات فإنه يُحشى فرجه بقطن ، ثم يُغسل المحل المتنجس ، ثم يوضأ الميت .
أما إذا خرج الأذى بعد تكفينه ، فإنه لا يُعاد غسله ، لأن فيه مشقة .
ـ إذا مات المحرم بالحج أو العمرة فإنه يُغسل بماء وسدر كما سبق ، ولكن لا يُطيب ولا يُغطى رأسه إن كان ذكراً ، لقوله صلى الله عليه وسلم في الذي مات مُحْرماً بالحج : ( لا تحنطوه ) أي لا تطيبوه ، وقال ( لا تُخَمروا رأسه فإنه يُبْعث يوم القيامة ملبياً ) متفق عليه .
ـ شهيد المعركة لا يُغسل ، لأنه صلى الله عليه وسلم ( أمر بقتلى أحد أن يُدْفنوا في ثيابهم وألا يُغسلوا ) رواه البخاري ، بل يدفن الشهيد في ثيابه التي مات فيها بعد نزع السلاح والجلود عنه ، ولا يُصلى عليه لأنه صلى الله عليه وسلم لم يصل على شهداء أحد ، متفق عليه .
ـ السِّقط إذا بلغ 4 أشهر يُغسل ويُصلى عليه ويُسمى ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن أحدكم يكون في بطن أمه 40 يوماً نطفة ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يُرْسل له المَلَك فينفخ فيه الروح ) رواه مسلم ، أي بعد 4 أشهر ، أما قبلها فهو قطعة لحم يُدفن في أي مكان بلا غسل ولا صلاة .
ـ من تعذر غسله إما لعدم وجود الماء ، أو لتمزقه ، أو لاحتراقه ، فإنه يُيَمم ، أي يضرب أحد الحاضرين بيده التراب ويمسح بهما وجه الميت وكفيه .
ـ ينبغي على الغاسل ستر ما يراه في جسد الميت إن لم يكن حسناً ، كظُلمة في وجه الميت ، أو آثار بشعة في جسده ، ونحو ذلك ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من غَسَّل مسلماً فكتم عليه ، غفر الله له أربعين مرة ) رواه الحاكم وصححه الألباني في أحكام الجنائز (ص51) .

الجمعة، ١٥ مايو ٢٠٠٩

الإمام بداه ابن البصيرى


محمد عبد الله ولد البصير ي
إن العين لتدمع، والقلب ليخشع، ولا نقول إلا ما يرضي الله وإنا بفراقك يا إمامنا وشيخنا الجليل لمحزونون.. إنا لله وإنا إليه راجعون..
فقدناك يا شيخ المشايخ، وإمام المحققين .. فقدناك يا قطب المعارف وعنوان العلوم ومنبع القيم.. يا نور البصائر ومبعث حياة القلوب..

فقدناك أبا حنونا وكافلا عطوفا ومربيا ظريفا .. وفقدت برحيلك الأمة الإسلامية العلامة المحقق المتبصر محمد بن البصيري المعروف بلقبه "بَداه "، الذي ملأت علومه مسامع التاريخ وأنارت دروسه ومؤلفاته مجاهل الكون، والإمام الفريد الذي انتهت إليه الإمامة في العلم والعمل فرسخ التوفيق بين العقل والنقل، وجدد علوم الدين ومعالم السنة ، وقمع الباطل بالحق، ودافع الشبهة بالحجة، و حارب البدع بإحياء السنن.
فقدناك يا شيخ المشايخ، وإمام المحققين .. فقدناك يا أعلى منارة في بلاد شنقيط، وأمنع رباط للدعوة على ثغور صحراء المرابطين، بل أعتى قلعة من قلاع الذود عن حياض السنة والذب عن بيضة الإسلام.

ليس رحيلك، يا إمامنا الفريد مجرد صعود روح طاهرة إلى بارئ النفوس، إنه مكتبة تحترق، وكنز بشري يختفي، وتراث حضاري يضيع.. إنه جامعة توصد أبوابها، ومحظرة تقوض خيامها ومنبر للدعوة ينهار على مواجع الزمن.

وضعت " الحجر الأساس لمن أراد شرعة خير الناس" وصدعت بـ"القول السديد في الرد على أهل التقليد "فسلكت بنا" أسنى المسالك "ونثرت" الدر النضيد في علم الكلام و حقيقة التوحيد "وجهزت "الكتائب الشرعية في صد هجوم القوانين الوضعية " وهديت "تحفة الكرام في بيان الحلال و الحرام " وبينت "مبادئ الرسوخ في معرفة الناسخ و المنسوخ"...
شيدت بمؤلفاتك صرحا من صروح المعرفة وطودا شامخا من العلوم الشرعية، ورفعت منارة فيض تنير أرجاء المعمورة ومسالك الوجود، ورسمت معالم الطريق طريق الهداية السمحة والشريعة الغراء.
يا صاحب "القول السديد" و"الحجج المتكاثرة"، ويا رائد "العمل بالراجح" و"الانتصار للسنة" ويا واهبا " إسعاف الظرفاء" و "تنبيه الحيارى" ويا هاديا إلى "منح الجليل" و"نيل السول في مبادئ الأصول"، كل حرف سطرته يراعتك الزكية سيبقى شذاه يعطر الحقب، ونوره يشع في ظلمات الجهل.
امتثلت حديث " الدين النصيحة"، لله: بتوحيده وإخلاص النية في عبادته وتحكيم شرعه والحرص على طاعته وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ولكتابه: بتعظيمه وتلاوته والوقوف عند أحكامه وتعلم وتدريس علومه، ولرسوله: بالإيمان به وتعزيره وتوقيره وتعظيمه وإحياء سنته، ولأئمة المسلمين: بتقويم المعوج وتذكير الغافل والعون على الحق وبيان حقوق الرعية، ولعامة المسلمين بإرشادهم إلى مصالحهم وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم وتعليم جاهلهم وتذكير غافلهم وإسداء النصح لهم وستر عوراتهم وسد خلاتهم.
أخذت بناصية العلم إلى مراقي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وملكت الجرأة على الحق لا تأخذك في الله لومة لائم. لم تصانع سلطانا ولم تهادن حاكما ولم ترضخ لضغط جماعة ولم تركن إلى مآثر المناصب والامتيازات.
لم تكن "بحاجة إلى سيارة ولا إلى عمارة ولا إلى راتب,,," كما كنت تقول طيلة حياتك على أمواج الأثير، ولست بحاجة إلى "ميدالية فارس في رتبة الاستحقاق الوطني" ولا إلى جائزة "نوبل" للعلوم الشرعية، فأنت أعظم وأجل من كل ذلك، لا يجزي فيض عطائك وسيب نوالك وسخ الدنيا ولا تريد من المخلوقات جزاء ولا شكورا. فقد عرفناك زاهدا في الحياة الدنيا عزوفا عن امتيازاتها معتبرا إياها دار عبور ومطية عمل، لا تخاف إلا الله عز وجل ولا ترجو إلا فضل ذي الجلال والإكرام.
ذلك فيض من غيض، فمن يحصي مناقبك؟ ومن يحيط بما تخفيه يمينك عن شمالك؟ جل الخطب وعظمت الفاجعة ، لكن المؤمن مهما شق الصبر وجمحت العاطفة وشطحت الأحزان، يبقى مزموما بزمام الشرع وملجما بلجام التسليم لقضاء الله وقدره.
يعزينا فيك، يا إمامنا الجليل، فضل الرؤوف وسعة رحمته وما وعد به عباده الصالحين، ثم نصيبك من وراثة الأنبياء، وسلف صالح يدعو بالخير، وعلم بثثته في صدور الرجال، وصدقات جارية مذ نعومة أظافرك، وحديث عمر التسعين. أسكنك الله فسيح جناته وعظم أجرنا من بعدك.

غيض العلم، وهد ركن الدعوة، وتصدعت قواعد القيم.. تفطرت الأكباد، وعيي اللسان، لكن القلم أبى إلا أن يذرف دمعة حبر على صفحة الأسى ولوعة الفراق..
اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده। ثم الصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

فى رثاء: الإمام بداه ابن البصيرى

الله أكبر إن الخطب قد عظـــــــما مصيبة الدين في فقداننا العـلمـــــــــــا

إن العلوم غدت في اللحد مدرجــة مذ فقد طودين قد كانا لها علمـــــــــــا

فالأرض هزت ودمع الغيم منهمل والبحر زمجر والشمس اختفت سقمـا

لنا عزاء بفقد المصطفى سلفـــــــا فا الرزء من بعده سهل وإن عظمـــــا


الشاعرة : آسية /أحمد رمظان


الشيخ بداه ولد البصيري..رحيل عالم وخسارة شعب



ترجمة العلامة بَداه بن البصيري الشنقيطي

هو العلامة محمد بن البصيري ، اشتهر بلقبه " بَداه " المفتي العام في موريتانيا ، و إمام جامع الملك فيصل الكبير في وسط العاصمة نواكشوط .
نشأته و طلبه للعلم
ولد الشيخ سنة ( 1337 هـ ) ، و نشأ في بيئة علمية ، فحفظ القرآن و هو ابن سبع سنين ، و أخذ فيه سنداً في قراءة الإمام نافع بروايتي قالون و ورش ، و سنداً في قراءة ابن كثير ، ثم اشتغل بتحصيل العلم على مشاهير علماء بلاده .
و بعد دراسته للعلوم المتداولة عندهم اتجه إلى التدريس و المطالعة .
أهم شيوخه

أخذ الشيخ " بَداه " العلم عن علماء معروفين في قطرهم منهم :
الشيخ محمد سالم بن آلما المتوفى سنة ( 1383 هـ ) .
الشيخ محمد بن المحبوب المتوفى سنة ( 1385 هـ ) .
الشيخ محمد عال بن عبد الودود المتوفى سنة ( 1387 هـ ) .
الشيخ المختار بن أبلول المتوفى سنة ( 1398 هـ ) .

ثناء العلماء عليه
جاء في تقريظ العلامة المختار بن أبلول لكتاب " أسنى المسالك " للشيخ " بَداه " ما نصه :
( إنه الإمام العلامة المتقن ، ناصر السنة ، قامع البدعة ) .
و قال عنه الشيخ محمد أحمد بن عبد القادر القلادي :

( إنه العلامة الجليل النبيل ، الذي ليس له فيما يعانيه من مثيل ، ولا يكون له به كفيل ، وما ذاك إلا لخلو البلاد ممن يدانيه ، ولا قريب من مبانيه ، لقيامه بالسنن عندما أميتت ، و إماتته للبدع بعدما أبيحت ) ।
و قال عنه صاحبه و تلميذه العلامة محيي الدين محمد بن سالم بن المفتي : ( إنه العام المحقق ، قامع الباطل بالحق ، ودافع الشبهة بالحجة ، الداعي إلى الحق ، المتمسك بالكتاب و السنة ) .
و قال عنه صديقه الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله : ( هو العالم الصالح السلفي ، الذي نفع الله به أهل بلده ) .

مصنفاته
و للشيخ " بَداه " رحمه الله مصنفات عديدة ، في مختلف أبواب العلم و ترتيبها :
أولا : الاعتقاد
1– " تنبيه الخلف الحاضر على أن تفويض السلف لا ينافي الإجراء على الظواهر "
2 – " الدر النضيد في علم الكلام و حقيقة التوحيد "
3 – " تنبيه الحيارى و تذكرة المهرة في الجمع بين أحاديث الفرار و النهي ولا عدوى ولا طيرة "
4 – " تنبيه الجماعة على أحاديث أشراط الساعة "
5 – " الكتائب الشرعية في صد هجوم القوانين الوضعية "
ثانيا : في اتباع الكتاب و السنة و ذم التقليد
6 – " أسنى المسالك في أن من عمل بالراجح ما خرج عن مذهب الإمام مالك "
7 – " القول المفيد في ذم قادح الاتباع و مادح التقليد "
8 – " القول المبين في الرد على من قال بالتزام مذهب معين "
9 – " الحجر الأساس لمن أراد شرعة خير الناس "
10 – منظومة "الانتصار للسنة "
11 – " القول السديد في الرد على أهل التقليد "
ثالثا : في الفقه
12 – " حاشية على مختصر خليل بن إسحاق المالكي "
13 – " منح الجليل فيما عارض المختصر بالدليل "
14 – " رسالة في الرد على القائلين بإرسال اليدين في الصلاة "
15 – " تحفة الكرام في بيان الحلال و الحرام "
16 – " تنبيه الأنام على مشروعية القراءة حال جهر الإمام "
17 – " الحجج المتكاثرة في صحة السجود في الطائرة "
18 – " رسالة في الأشياء التي أجمع العلماء على إخراج الزكاة منها "
رابعا : في الأصول
19 – " نيل السول في مبادئ الأصول "
20 – " مبادئ الرسوخ في معرفة الناسخ و المنسوخ "
21 – " تذكرة الراسخ في معرفة الناسخ و المنسوخ "
خامسا : في السيرة
22 – " تحفة الولدان في سيرة خير بني عدنان "
23 – " إتحاف ذوي النجابة في مشاجرة الصحابة "
24 – " إسعاف الظرفاء في تاريخ الخلفاء "
25 – " الهدية المرضية في الفرق بين الغزوة و البعث و السرية "
و جميع هذه الكتب غير مطبوع ، و بعضها مكتوب على الآلة الكاتبة ، فإخراج كتاب " تنبيه الخلف الحاضر " هو باكورة ذلك ، أسأل الله تعالى أن يجعله فاتحة خير ، و ييسر إخراج غيره و طباعته و نشره .
عقيدته
من خلال النظر في ترجمة الشيخ " بَداه " ، و ثناء العلماء عليه ، و النظر في بعض كتبه ، يتضح جليا ما يتميز به من معتقد سليم ، ومنهج دعوي مستقيم ، و يمكن بيان مظاهر ذلك بإيجاز في النقاط التالية :
أولا : موقفه من توحيد الاسماء و الصفات
يعتبر هذا الكتاب الذي بين أيدينا أصدق دليل على اتباع الشيخ " بَداه " لاعتقاد السلف ، فإنه لم يؤلفه إلا لبيان ما كان عليه أئمة الإسلام ، من إثبات لأسماء الله تعالى و صفاته ، من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل .
قال الشيخ " بَداه " في هذا الكتاب : ( إن السلامة في اتباع هدي النبي صلى الله عليه و سلم وما كان عليه أهل القرون الثلاثة المفضلة ، و أن أصول التأويل كلها راجعة إلى الجهمية و المعتزلة و الخوارج ، و أن ما يلزم المتكلمون أهل السنة و الجماعة في صفات الاستواء و النزول و اليد و غيرها ، فإن أهل السنة يلزمونهم به في الصفات التي يثبتونها ، لأن جميع صفات الباري عز و جل من باب واحد ، فكل ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه و سلم لا يختشى منه تشبيه ولا تكييف ، و يمر كما جاء مع اعتقاد التنزيه لله عز و جل عن التشبيه ...و لأن من باينت ذاته الذوات باينت بديهة صفاته الصفات ... ) .
إلى غير ذلك من المواضع التي تدل على سلفيته بل نقله عن أئمة أهل السنة و الحديث خير شاهد على ذلك
بالإضافة إلى إلزامه للأشاعرة بكتب " الإبانة " لأبي الحسن الأشعري ، وعقده فصلا لإثبات صحة نسبته إليه .
ثانيا : موقفه من صفة الكلام لله تعالى
هذا و إن كانت هذه الصفة داخلة في توحيد الأسماء و الصفات ، لكني أفردها هنا لتظاهر بعض المتكلمين بإثباتها مع مخالفتهم لأهل السنة فيها ، لذلك عقد الشيخ " بَداه " في هذا الكتاب فصلا لبيان معتقد أهل السنة في الكلام ، ناقلا عن أئمتهم ، مبينا أنه حرف و صوت ، كما يليق بذات الله تعالى ، على وفق ما دلت عليه النصوص ، و أجمع عليه الأئمة .
ثالثا : موقفه من علماء أهل السنة
لقد عرف الشيخ " بَداه " لعلماء السنة قدرهم ، فعظمهم و دافع عنهم ، و اعتقد اعتقادهم ، و منهم شيخ الإسلام ابن تيمية ، الذي ظلمه كثير من خصومه ظلما حسيا و معنويا ، فقال الشيخ " بَداه " مدافعا عنه كما في هذا الكتاب ما نصه : ( فمن طعن على شيخ الإسلام في هذا ، فليطعن على أئمة الإسلام و السلف الصالح قبله جميعا ، ولا يجعل شيخ الإسلام حائطا قصيرا يتخطاه القوي و الضعيف ، جراء إشاعات من أعدائه لا أصل لها ولا فرع في الحقيقة ، فلو كان ما يقول الطاعنون الجاهلون بحياته و مستواه في العلم حقا ، لما سمي شيخ الإسلام من طرف خمسة و ثمانين عالما ، كما بيناه في ترجمته في " القول المفيد في ذم قادح الإتباع و مادح التقليد " ... ) .
بل قد اشتهرت أبياته الرائعة في مدحه لشيخ الإسلام ، ومنها :
تقي الدين أحمد لا يبارى ** بميادين العلوم و لا يمارى
تقي ماجد برّ كريم ** يدور مع الأدلة حيث دارا
برئت إلى المهيمن من سماعي ** مقالات تقال له جهارا
وقد أشار صاحب كتاب " السلفية " ( ص : 69 ) إلى اشتهار الشيخ " بَداه " بنصرة المؤسسات السلفية
و القائمين عليها ، و على رأسها الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ، لمّا اتهمها أهل بلاده بالبدع ، فبين صحة ما تثبته من اعتقاد ، و أثنى عليها شعراً ، فقال :
في جامعة الإسلام في القلب موقع ** أليس بها نور المدينة يستطع
وقد رامها أبناء بجدتنا على ** قيادة ابن باز الرفيع المرفع
وقد أحكمت أحكامها و دروسها ** و هيئتها الحسنى هناك تلمع
إلى قوله :
فبورك في أعضائها و دروسها ** و في ملكها لهو الشجاع المقنع
رابعا : موقفه من علم الكلام و التصوف
أما علم الكلام ، فقد أفرد في بيان زيفه كتاب " الدر النضيد في علم الكلام و حقيقة التوحيد " .
و أما التصوف فقد ذكر صاحب كتاب " السلفية " ( ص : 471 ) حكمة العلامة " بَداه " في معالجته للانحرافات الطرقية ، في مقابلة أجراها معه حيث قال العلامة " بَداه " : ( إن مصلحة الدعوة السلفية تحتم علينا أن نتحاشا المصادمة مع أصحاب الطرق الصوفية ، الذين هم أكثر أهل هذه البلاد ، وذلك رغبة في اجتذاب الناس إلى منهج السلف و عقيدتهم ، دون الدخول في مشادات كلامية لا جدوى من ورائها ، لذلك فإننا نركز على بيان المنهج الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم و صحابته رضي الله عنهم و التابعون لهم بإحسان ، و نحذر من كل ما يخالف ذلك ، دون أن نذكر أسماء الطرق الصوفية أو مشايخها ) .
رحم الله الشيخ وأسكنه فسيح جناته...
.منقـــــــــــــــــول للفائدة

في رثاء العلامة محمد سالم ولد عدود.. شعر/ الإمام أحمد بن المرابط


شنقيطُ صبْرًا وإن جلَّ المُصاب فلا

نَفُوهُ إلا بما يُرضي الإلهَ علا

إن قلتِ لي كيف لي بالحدِّ من جزَعِي

أليس علاَّمتي عنِّي قد ارتحلا

ألم يكن مَرْجِعا للمُشكلات، فكم

من مُّشكل حلَّه من بعدما شَكَلا

ألم يكن بحرَ علمٍ لا يُكدِّره

نزْحٌ، فكم طالبٍ قد علَّه عَلَلا

ألم يكن مُفْتيًا، ألم يكن حَكَمًا

بالعدل قام وما عن عدله عدلا

ألم يكن آمِرا بالعُرف مؤْتمَرا

فما يخالف قولاً منه ما فعلا

أليس ينهى عن المنكور منْتهيًا

بحِكمة تَطَّبي للرشْد مَن جَهِلا

أليس من يَدِه مع اللسان ذَوُو الْـ

ـإِسلام قد سَلِموا يا نِعْمَهُو رجُلا

ألم يكن زان (شنقيطَ) العتيقةَ في

محافل العلم فازدادت هناك علا

فاسْمَحْ بَنفْثَة مصْدور تخفِّف ما

قد اعتراني من الخطب الذي نزلا

أقول لا شك أنَّا خَطَْبُـنا جَلَلٌ

لكن بتوجيه ربيِّ أَبتغي العملا

فمن يُراجِعْ لدى مُصابه فَلَهُ

مِن الإله تعلى رحْمةٌ وَصَلا

إنَّا له وإليه راجعون وما

يَشأْ يكن والذي ما شاء جلَّ فلا

قُولي لأعداء دين الحق إن شَمِتوا

تَعْسًا لكم واخسَؤُوا يـأيها الجُهلا

ذو العلم قد جَعلَ المولى الكريمُ له

لسانَ صِدْقٍ به تخليدُه حَصلا

لا تحسبوا ذِكْرَ هذا الشيخِ منقطعا

بل ليس ينفكُّ بين الناس متَّصلا

أبناؤُه وذَوُوه الأكرمون وَعَوْا

تعْليمَه واكتسَوْا من هَدْيِه حُلَلا

فهم له خَلَفٌ يقْفون منهجه

ويعملون من الخيرات ما عملا

فبارك الله فيهم واستدام لهم ما

عُوِّدوا من إليً موصولةً بإلى

يا ءال (عدُّودَ) كلُّ المسلمين لهم

تحقُّ تعْزيَةٌ في (النَّاهِ) إذْ رَحَلا

فقدِّموا لِـمُعزِّيكم تَعازيَكم

إنَّ الأسى لذوي الإسلام قد شملا

لذا أقول لدى تقديم تعْزيَتي

يا مسلمون اجْعلوا الصبرَ الجميلَ حُلا

تذكَّروا ـ وابتغوا أجرا ـ مصيبتَكم

بسيِّد الرسْل تسْلوا سيِّدَ الفُضَلا

أوْلاه مولاه في الفردوْس منزلةً

تَرُوقُه ليس عنها يبتغي حِوَلا

صلَّى وسلم ربُّ العـلمين على

خير الورى وعلى أصحابه النُّبَلا

محمد سالم ولد عدود رحيل عالم وخسارة شعب


في رثاء العلامة محمد سالم ولد عدود.. شعر/ أحمدو ولد عبد القادر

أمَّ الْقُرَى كَيْفَ تُزْجَى الْعِيسُ والْهِمَمُ

إلاَّ إلَيْكِ، وَيُهْدَى الْحُبُّ والـسَّلَمُ؟

مَاذَا عَلَيْكِ إذَا أهْدَيْتِنَا حِكَمًـــــا

وَفِي ِرحَابِكِ يَزْهُو الْعِلْمُ والْحِكَمُ

عَن الأمْجَادِ مَحْضَــــرَةً

صنوَا مَحَامِدِهَا الْعِرْفَانُ وَالْكَرَمُ

وَألْهِمِينَا جَمِيلَ الصَّبْرِ إنَّ لَنَــــا

صَبْرًا تَخَوَّنَهُ الإرْهَاقُ والألَــمُ!

وَالْمُسْلِمُونَ أساري حَالِ زَلْزَلَـــةٍ

غَابَ الدَّلِيلُ وَمَوْجُ العَصْر مُلْتَطِـمُ

***

غَابَ الإمَامُ فَلاَ السُقْيَا تَدَاوَلَهَا الْ

أرْوَاحُ كَأسًا دِهَاقًا عَرْفُهَا نِعَـــمُ

أيْنَ الْخَمَائِلُ بالآدَابِ مُزْهِــرَةً

مُخْضَلَّةً يَجْتَبِيهَا الرَّوْحُ والدِّيَـــمُ؟

غَابَ الإمَامُ وَلَمْ تَبْرَحْ مَنَابِـرُهُ

قُلُوبَنَا وَحُمَيَّا الْوَجْدِ تَضْطَــــرِمُ!

يَبْرىِ الْفِرَاقُ حَنَايَانَا وَتُسْعِفُنَـا

أشْبَالُهُ الْغُرُّ والأهْلُونَ حَيْثُ هُــــمُ..

فَإنْ سَلَوْنَا فَهَلْ تَسْلُو الْمَحَابِرأوْ

تَسْلًو الدَفَاتِرُ والألْوَاحُ والْقَلَـــــمُ؟

بَلَى فَلِلْقَوْمِ رَايَاتٌ مُخَلَّــــدَةٌ

تَحْمِى الْجَدِيدَ وَيَرْعَى عِزّهَا الْقِـــدَمُ

***

للهِ بَدْرٌ تَوَلَّى آفِلاً وَلَـــــهُ

بَعْدَ الأفُولِ انْبِلاَجُ التَّمِّ مُنْسَجِــــمُ!!

والْبَحْرُ مَا كَانَ إلاَّ مَا تَفَجَّر مِـنْ

فَيْضِ الْمَوَاهِبِ والْوُرَّادُ تَزْدَحــــمُ:

( مُرَابِطُ الْجِيلِ مَازَلَّتْ بِهِ قَدَمُ

يَوْمًا ولاَبّذَّهُ عِلْمٌ ولاَعَلــــــــمُ!

وَلاَتَجَافَاهُ فَهْمٌ صَادِقٌ نَبِـــهٌ

لِلْمُعْضِلاَتِ إذامَا رَازَهَا الْفَــــهِـمُ

وَتَارَةً قِمَمُ الدُّنْيَا تُقَارِبُــــهُ

وَتَارَةً تَنْحَنِى مِنْ دُونِه الْقِمَـــــــمُ*))


محمد سالم ولد عدود رحيل عالم وخسارة شعب


قضى الله ولا راد لقضائه، أن يختار لجواره وواسع رحمته، يوم أمس الأربعاء العلامة الكبير، والحبر النحرير الشيخ محمد سالم ولد عدود، بعد صراع طويل مع المرض، ويعتبر الشيخ لمرابط محمد سالم ولد عدود (الناه)من أبرز علماء موريتانيا، بل وعلماء العالم الإسلامي المعاصرين، وهو أحد الموسوعيين الذين تميزوا بالتبحر في مختلف صنوف علوم الفقه واللغة والتاريخ وغيرها، كما أوتي حظا عظيما مع علوم العصر ولغاته.

لعب دور محيي سيرة ونهج الشناقطة الأول الذين جابوا أصقاع الدنيا داعين إلى الله، ناشرين علوم الدين الحنيف، فكانوا أحبارا ومراجع تشد إليهم الرحال، وتضرب أكباد الإبل، وقد شارك في عشرات المؤتمرات الإسلامية العالمية، فكان العلم الأبرز الذي تأوي إليه الأفئدة وتستريح لحديثه الألباب.
تلقى العلم على يد والده وشيخه علامة عصره الشيخ محمد عالي ولد عدود، فكان خير خلف لخير سلف، فنهل من المعين عن قرب، واشتد عوده المعرفي واستوى، فصار نابغة عصره، وإمام قطر، وقد أراد الله به الخير ففقهه في الدين وعلمه التأويل.
لا يدري محدثه أي جوانبه المعرفية أفنى ليالي العمر في اكتسابها، فهو المحدث المحقق إذا حضرت سيرة المحدثين وأهل الجرح والتعديل، وهو سيبويه ومبرَد زمانه، أوتي ملكوت اللغة ومخاطم النحو وأزمة البلاغة، ووهبه الله دراية وتمكينا في علوم القرآن، تجويدا وتفسيرا ورسما وتأويلا، وكيف لا وقد اختط لنفسه منزلة عليا في ذؤابة الراسخين في العلم، إذا حدث في الإعجاز البلاغي للقرآن انساب رقراق

العلامة محمد سالم ولد عدود


الأربعاء، ١٣ مايو ٢٠٠٩

لا تكمل النبأ الأليم


في رثاء الشيخ محمد سالم ولد عدود رحمه الله
لا تكمل النبأ الأليم ...ولا تقــــــــــــــــل ** هذي مرابعنــــــــــا بلا عـــــــــــــــــدود
قد غاب عنــــــــها سمته وبهــــــــاؤه ** فــــــــغدت تحــــــــــن لبدرها المفــــقود 
وانفــــــــــض سامرها...يلملم حزنه ** شيـــــــــعا بأطـــــــــــــلال الهموم السود
..لا تكـــــمل النبأ ...النعاة تــــــــهيبوا ** كيف اجترأت على الضـــــــنى الموصود ؟
ها أنت تفتح للمــــــــــــــواجع سيرة ** أولى ....فنــــــــقرأها نجيع خــــــــــــدود
نرنو إلى الــــــــجدث الجديد ....لعله ** ولــــــــعلنا.....فيشيب كـــــــل وليــــــــــــد
بــــــالله.. هــــــــذا اللحد ضـــم وقاره ** وربــــا الثرى..نزجيـــــــــــــــه كف ودود ؟
يا أيها الحــــــــــاثون ...كيف أهلتم ُ ** نـــــــــزل الرمال بليلة "التلـــــــــــــــحيد"؟
لا ...لا نريد إجابة......فـــــــسؤالنا ** وجــــــــع الجواب ...وأنة الترديــــــــــــــد
جودي أيا عين المعزى والمعــــــــــــــــــــــــــــــــــزي يومـــــــنا ...وإذا ادكـــــــــرت فجودي
تـــــاهت قوافلنا لرزء دليلــــــــها ** لتـــــــــــطول ليلات الســـــــرى بالبــــــــــيد
لاماء ...لامرعى ...تعثرت الرؤى ** بيــــــــن الوهاد ...وبــــــــــــــــين ذات نجود
ستـــــسائل الصحراء عن خطواته ** سبل الثــــــــــــريا..وارتـــــــــــــــقاء الجودي
ومرابــــــع الضاد اليتيمة والهدى ** وطــــــــــــــلاوة التكـــــــــبير والتحميـــــــــد
وسيسأل الليل المصاب هزيعـــــــه ** والفــــــــــجر عن قرآنه المشــــــــــــــــــــهود
أخـــــــــــــوات هود يعترفن بشيبة ** في الشيخ ...قد ســــــــــــــــــهرت لصحبة هود
صبرا...فقد رحـــــــل الذين تعودوا ** عشــــــــــق الظلام لدمعــــــــــــــــــــة وسجود
إنـــــــا نعزي المؤمنين وأمـــــهم ** ونــــــــــــــــؤوب ثانية إلى التوحـــــــــــــــــيد
أحمد أبو المعالي : شاعر وكاتب موريتاني مقيم بالإمارات

الأحد، ١٠ مايو ٢٠٠٩

الشيخ حمدن ولد التاه في رثاء العلامة ولد عدود


لا يا مذيع فإنها أنباء
قد روجتها بيننا الأعداء
ما غاب عن أم القرى عدودها
عدود في أرجائها أصداء
لكنه لبى الندى لما دعاه
ربه لجواره فجرى القضاء


سيظل بين الكتب وهو مبين
إجمال ما لم تدره العلماء
سيظل والطلاب في جنباته
يتبادرون وكلهم إصغاء
سيظل في بيت القضاء موفقا
حكم القضاء وحوله الخصماء
سيظل في آدابه متفننا
قد أعجبت من سحره الفصحاء
سيظل في محرابه متعبدا
لله جل وقلبه وضاء
وترى العفاة ببابه قد حلقوا
والكف منه منفق معطاء
إن كان فارقنا الغداة فإننا
نلقي البنين وكلهم نقباء
بيت بناه الله من أمجادهم
قد أسسوه وكلهم صلحاء
لا زال ذاك البيت في أمجاده
آل المبارك سادة عظماء
عدود يا رمز الفتوة والندى
من أذعنت لمقامه الحكماء
في رحمة الرحمن في جناته
في روضة أفنانها غناء
ثم الصلاة على النبي محمد
ما رنحت من شوقها ورقاءAligné à gauche

السبت، ٩ مايو ٢٠٠٩

إلى الفردوس الأعلى يا قاضي القضاة


لقد كان لي الشرف أن أعمل مع العلامة الشيخ محمد سالم ولد عدود رحمه الله تعالى حيث كنت نائبا له و هو إذاك رئيس للمحكمة العليا وقد بهرني بعلمه الموسوعي و تواضعه الجم و أخلاقه السمحة و هديه القويم.

فجليسه بقدر ما يتعلم من علمه الغزير يتعلم في نفس الوقت من أخلاقه و حسن سمته و هديه الذي يمثل بحق أخلاق العلماء من الرعيل الأول
أما عن علمه فهو من العلماء الراسخين في العلم في جميع فروعه وتخصصاته و على سبيل المثال لا الحصر فهو من القلائل الذين يرجع إليهم في علم التوحيد و ما يتعلق به و لذلك نظم عقائد خليل ضمن نظمه لمختصر خليل بعد ما تناساه طلبة العلم و هو من علماء القرءان و التالين له و العارفين بأحكامه ناسخة ومنسوخة و أسباب نزوله و محكمه و متشابهه و هو فقيه أصولي متمكن
أما علوم العربية فحدث عنه و لا حرج فهو نحوي صيرفي لغوي و أديب وشاعر لا يشق له غبار راوية لأشعار العرب عارفا بأنساب العرب و أيامها و خاصة ما يتعلق بقريش و العدنانيين عامة لما حباهم الله به من آصرة القربى بالنبي صلى الله عليه وسلم أضف إلى ذلك كل ما يتعلق بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم و أصحابه الكرام.
فهو عندما يذكر –في ثنايا حديثه الشيق- بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يسلسل نسبه إلى حيث يوصله إلى أصل شجرة نسب العدنانيين أو القحطانيين و بالجملة فثقافته الواسعة المتكاملة يعجز التعبير عن مداها و شموليتها.
و لي مع سماحته ذكريات نذكر بعضا منها
ففي فترة لقائي الأول معه كنت شابا لم أبلغ الثلاثين من العمر و قدر لي أنني بعد التعليم المحظري كنت أرغب في الدراسة في بعض الجامعات و أثناء ذلك شاركت في امتحان مباشر لاكتتاب القضاة و نجحت فيه و عملت لعدة سنوات قاضيا في بعض المحاكم (محاكم المقاطعات) و في تلك السنوات التقيت بالشيخ محمد سالم فقال لي: أنت شاب في مقتبل العمر و لا يناسبك أن تبقى محصورا في عمل المحاكم في المقاطعات و كان ذلك قبل توحيد أسلاك القضاء و تمثل بقول الشاعر
ولم أر في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام
و عملت بمشورته التي تتفق مع ما كنت أتوق إليه من قبل
و أتذكر في الفترة التي تم فيها تطبيق الشريعة الإسلامية بالنسبة لجميع القوانين في البلاد أن ترتب على ذلك تشكيل لجنة من العلماء و القضاة لمراجعة النصوص القانونية و تشرفت أن كنت مقررا لهذه اللجنة و عند بداية عملنا قال الشيخ محمد سالم ولد عدود رحمه الله تعالى: أيها السادة عليكم أن تختاروا بين طريقتين للعمل إما:
تقنين الفقه
أو تفقيه القانون
و هذا الكلام نموذج لبلاغته غير المتكلفة بمعنى إما أن نختار بين
تقنين الفقه أي وضع نصوص قانونية مصدرها الفقه أو تفقيه القانون و يعني ذلك مراجعة كل القوانين ذات الصلة و ملاءمتها مع الفقه و تنقيتها من كل المسائل التي تنافي الشرع الإسلامي و اخترنا هذه الطريقة التي هي تفقيه القانون.
- و من ذكرياتي معه أنني كنت معه في مكتبه ودخل علينا بعض كبار الوجهاء من حيث النسب والحسب و كانت مهمته الاحتجاج على حكم صدر ضده في المحكمة العليا و أذكر أنني من أصدر هذا الحكم فقتال له الشيخ محمد سالم على رسلك ليكن في علمك أننا هنا نصدر الأحكام بتجرد كامل خال من الخوف و الطمع.
- و من الطرائف التي أتذكرها عن الفقيد رحمه الله أنني في يوم من الأيام و أنا إذ ذاك نائبه الأول في المحكمة العليا كنت أريد مراجعته في شأن من شؤون العمل فقيل لي أن معه الأستاذ محمد شين ولد محمادو رحمه الله تعالى و هو إذ ذاك عميد المحامين و كررت السؤال هل فرغ السيد الرئيس من مقابلته فكان الجواب دائما بالنفي
و لما طال الوقت دخلت عليه في المكتب و كنت أسائل نفسي ما هو موضوع الحديث بين رئيس المحكمة العليا و نقيب المحامين و وجدت الجواب في حديثهما لما دخلت
فإذا بالشيخ محمد سالم طيلة الوقت يسأل ذ/ محمد شين عن بعض غرائب الأدب الشعبي و روائعه مثل هل تحفظ أم أرثم ؟ هل تحفظ الرسم ؟ ...إلخ و في كل ذلك يكون الشيخ محمد سالم هو السائل و المجيب في نفس الوقت فتعجبت من سعة ثقافة هذا البحر الذي لا ساحل له
و من المعروف أن الشيخ محمد سالم يجيد نظم الشعر الشعبي (لغن) كما يجيد الشعر العربي دون تمييز.
و لما عين وزيرا للثقافة قلت له وقت وداعه: قد تلاحظون أني كنت أعاملكم دون تكلف و لا تحفظ و مرد ذلك إلى عظيم ثقتي فيكم و أنكم عندي أكبر من ذلك كله فأنتم بالنسبة لي مثل ما قال القائل لمعاوية رضي الله عنه:
نميل على جوانبه كأنا نميل إذا نميل على أبينا
و من المعروف عن الشيخ محمد سالم تمكنه من قرض الشعر بجميع بحوره
و لذلك فإنه زمن دراسته للقانون بتونس كان ينظم جميع المحاضرات التي تقدم له و لزملائه.
فقد نظم مبادئ القانون الدولي و القانون الإداري
و قد اطلعت على عدد من مجلة القانون الإداري التي تصدر في مصر و تم في هذا العدد نشر نظمه في القانون الإداري و علق علية الدكتور المصري المشهور الطماوي المتخصص في القانون الإداري
و مما قال: أردت أن أطلع كل الإخوة العرب على مدى تمكن إخوانهم في موريتانيا من تطويع اللغة العربية و الإتيان فيها نظما بما يعجز غيرهم عن الإتيان به نثرا إهـ.
و هذا قليل من كثير
رحم الله قاضي الفقهاء و فقيه القضاة العلامة محمد سالم ولد عدود و أسكنه فسيح جناته
و ألهمنا جميعا حسن العزاء فيه فمصيبة تعم المسلمين عامة و الموريتانيين خاصة
فقد ورد في كتاب الاستذكار في فقه علاء الأمصار أن التعزية تشمل كل من له صلة بالميت صغيرا كان أو كبيرا ذكرا كان أو أنثى.
و أبقى الله البركة خالدة تالدة في بيته الكريم بيت العلم والأخلاق و كل الشيم الفاضلة
و إنا لله و أنا إليه راجعون

عبد الله ابن على سالم

الأحد، ٣ مايو ٢٠٠٩

تأبين الشيخ العلامة محمد سالم ولد عدود

منح الله الشيخ محمد سالم ولد عدود رحمه الله ذاكرة قوية وهيأ له الأسباب بوجود والده ووالدته وهما موسوعتان فدرس عليهما مختلف العلوم الشرعية وتبحر فيها، وكان كل العلوم التي تدرس في هذه البلاد لديه سواء (...) كان أيضا على إلمام ببعض العلوم الأصلية التي يحتاج إليها الفقيه والمحدث والقاضي والداع

فلم يكن منغلقا على الكتب الصفراء ولم يكن حبيس المكتبة بل كان ذهنه سائلا وكان يطلع على المحافل العلمية وما فيها وعلى وسائل الإعلام وما تنشره المكتبات من الدراسات الحديثة ويشارك في المؤتمرات ويلقي الباحثين المبدعين ويستمع إليهم ويصحح ويقوم ويركب الأفكار من خلال ثقافته التي مصادرها متنوعة..

ويمكن أن نقسم العلوم التي تبحر فيها الشيخ إلى سلالات، فمنها – مثلا- علم القرآن الذي يشمل سبعة علوم: علم الأداء الذي هو علم التجويد، وعلم القراءات، وكان في تطبيقه وقراءاته حريصا على قراءة نافع وقلما يقرأ بغيرها.. والعلم الثالث علم التفسير وللشيخ إبداعات كثيرة في المقارنات والمقاربات في القرآن.. والعلم الرابع من هذه السلالة هو علم الرسم والضبط وهو من المتخصصين فيه وقد أخذه عن والدته رحمة الله عليها وكانت متقنة لهذا الفن (...).

فن الخامس من هذه السلالة هو علم علوم القرآن وهذا العلم يشمل العلوم المتعلقة بالقرآن التي جمعت تحت عنوان واحد كعلم أسباب النزول وعلم المكي والمدني وعلم الناسخ والمنسوخ وعلم الشتوي والصيفي وعلم الترجمة ونحو ذلك، وهذا العلم ألف فيه الكثير من الكتب، والشيخ كان متخصصا فيه لأنه درسه وهو صغير.

العلم السادس من هذه السلالة هو علم تاريخ التفسير، والشيخ له مهارة تاريخية عجيبة في المقارنات في الكتب يرتبها حسب تاريخ مؤلفها ويحكم بالتصحيح والتضعيف بالتاريخ، فمثلا في كتب السيوطي يقول في ترتيبها في أبيات له:

ما ذكر الخلال في الإتقان

وفي عقوده من الجمان

من منع الاقتباس عند مالك

أكثر في تنويره الحوالك

من رده ونسب الفشاري

لمن إلى تحريمه أشارا

أقول والتاريخ بالتأخير

يحكم للتنوير حاوي الخير.

الفن السابع هو علم طبقات القراء والمفسرين.. والشيخ له عناية بهذا الجانب لأنه من المتعلقين بالإمام الذهبي..

أما السلالة الثانية التي برز فيها الشيخ محمد سالم واشتهر بها في هذه البلاد هي سلالة علم الحديث، وتشمل سبعة فنون أيضا منها: علم المصطلح، وقد حفظ ألفية العراقي وأتقنها وهو صغير وحفظ عددا كبيرا من كتب شروحها ومن غيرها.

الفن الثاني هو علم الحديث رواية، وقد اجتهد في طلب الرواية وأجازه عدد كبير من مشايخ الحديث، وأول من أجازه من المشاهير الشيخ محمد طاهر بن عاشور في تونس وهو مؤلف كتاب \"التحرير والتنوير\" (تفسير القرآن) ومؤلف كتاب \"المسوي في شرح الموطأ\" ثم أجازه عدد من علماء الحجاز والشام والهند في كتب الحديث.

والعلم الثالث من علوم الحديث هو علم متون الحديث، ومن عنايته بهذا الفن أنه رتب لنفسه دراسته على نحو ما رتبه العراقي في ألفيته..

الفن الرابع هو علم شرح الحديث وقد اعتنى الشيخ محمد سالم به فاجتهد بمعرفته في شروح الصحيح للبخاري بالأخص فتح الباري للحافظ بن حجر وشرح الكرماني وإرشاد الساري للقسطلاني، فهذه الشروح الثلاثة كان مهتما بها اهتماما بالغا، وكذلك شروح الموطأ وخاصة التمهيد والاستذكار لابن عبد البر والمنتقي للباجي وشرح محمد ولد عبد الباقي الزرقاني.

العلم الخامس من هذه السلالة هو علم الرجال، فدرس كتاب \"الجرح والتعديل\" لابن حاتم الرازي، وهو من أول الكتب في علم الرجال التي اقتناها الشيخ، وكان يحفظ تقريبا التراجم التي أوردها الذهبي في ميزان الاعتدال والتراجم التي أوردها الحافظ بن حجر زيادة عليه في لسان الميزان.

العلم السادس من هذه السلالة علم التخريج ودراسة الأسانيد، وقد أولاها الشيخ عناية كبيرة.

ومن العلوم التي برز فيها الشيخ محمد سالم سلالة الفقه، وهذه السلالة فيها أربعة عشر علما هي الفقه المذهبي، وقد تخصص شيخنا في المذهب المالكي ونظمه نظما كاملا، نظم أولا مختصر خليل ثم زاد عليه بشروحه ثم زاده المدونة والعتبية والذخيرة وغير ذلك من كتب المذهب، وهذا الشرح (كتاب) من أهم ما فيه استدراكه على كل الكتب المالكية المطبوعة، ما فيها من الأخطاء يبينه، من المدونة إلى مختصر خليل، وأيضا فإن كل فرع في المذهب المالكي من 120 ألف فرع يذكر أول من قال به، فإذا كان من اجتهاد مالك وخرج من دماغه يبين ذلك في العتبية أو المدونة، وإذا لم يكن من فقه مالك يبين أول من قال به هل هو لابن القاسم أو أشهب أو ابن نافع، وإذا لم يكن لأصحاب مالك يأتي بأول من قال به من أصحابهم كسحنون وإذا لم يكن من هؤلاء يأتي بطلابهم كلباد ثم ينزل إلى أن يصل إلى خليل.. وهذا الكتاب طبع الآن تقريبا وقد عكف الشيخ حتى في مرضه الذي توفي فيه على إخراجه.

ومن المعلوم أن الشيخ محمد سالم تولى القضاء في بداية تأسيس الدولة الموريتانية، حيث أرسل سنة 1965 ضمن بعثة إلى تونس، التي أقام فيها سنتين أتاحت له التدرب في المحاكم التونسية والاعتناء بتوثيق الأحكام فكانت المحكمة العليا ومحكمة الاستئناف في تونس تعهد إليه بتحرير الأحكام دون غيره لما لمست فيه من قدرة وعبقرية، وما زال يوجد إلى اليوم سجل للأحكام التي حررها في تلك الفترة في المحاكم التونسية.

ولدى قفوله من تونس تولى الشيخ عدود منصب نائب رئيس المحكمة الابتدائية، التي كانت المحكمة الوحيدة في البلد من هذه الدرجة في ذلك الوقت الذي كان القضاء الموريتاني ينقسم فيه إلى نوعين تجسدهما غرفتين للقضاء الشرعي والوضعي، تكون رئاسة المحكمة من نصيب هذه الأخيرة.

وشغل الشيخ عدود نائب رئيس المحكمة الابتدائية مدة طويلة، عمل خلالها بصبر وأناة على إلغاء القانون الوضعي وتهذيب ما لابد منه من القانون المدني.

وخلال هذه الفترة نظم الشيخ القانون الدولي العام والقانون الإداري في ألفية تم طبعها كما سعى إلى تقنين الفقه المالكي وبدأ هذا المشروع وحده إلى أن تبنته الدولة سنة 1980 ليتوج بالمساطر الإجرائية الحالية في موريتانيا والتي من ضمنها مجلة المرافعات المدنية والتجارية.

وعين الفقيد قبل إلغاء القانون الوضعي نائبا لرئيس المحكمة العليا مدة طويلة ثم رئيسا للمحكمة العليا بعد إلغاء القانون المذكور وهذا آخر منصب له في القضاء.

وخلال رئاسته للمحكمة العليا التي كانت هي المسؤولة عن أداء القضاة جميعا وتفتيشهم اعتنى بمسائل ومشاكل موروثة لم تحل قبله يعود بعضها إلى 170 سنة تناسختها الأجيال في الميراث ولم يحلها أي قاض قبله وهذا ما يشير إليه في شعره الشعبي الذي هو من باب الدعابة.

وقد ترك الشيخ عدود القاضي أثره وبصماته الواضحة في القضاء الموريتاني، فبالإضافة إلى المساطر القانونية التي أشرف على إعدادها، تتلمذ عليه العديد من القضاة النابهين الذين أخذوا عنه ولازموه.

وفي مجال الدعوة وإصلاح شأن المسلمين والذود عن حياض الإسلام كان الشيخ يشعر في شبابه بالمرارة لسيطرة الاستعمار على البلد وعمل جاهدا على التخلص منه وجسد ذلك في شعره حيث يقول:

كفى حزنا أن لا يزال يقودنا

على الخسف داع من دعاة جهنما

كما عمل على إصلاح التعليم عبر مشاركته في وضع المناهج التربوية في المعهد التربوي الوطني ومدرسة تكوين المعلمين والمدرسة الوطنية للإدارة، ومشروع جامعة نواكشوط.

وفي المجال الدعوي كان الفقيد من أوائل المحاضرين في هذا البلد في الموضوعات الدعوية العامة، حيث اعتنى بترشيد الشباب وتهذيب الشيوخ وفي ذلك يقول:

شكي دين الهوى ممن دهاه

بأيدي جامدين وملحدينا

شبابا يحسبون الدين جهلا

وشيب يحسبون الجهل دينا

وفي المجال الاجتماعي بالخصوص كان الشيخ من كبار المصلحين في هذا البلد فحارب كثيرا من العادات الاجتماعية السيئة وقضى على كثير منها وكان يغير كثيرا مما درج الناس عليه في هذه البلاد من العادات الاجتماعية المخالفة للدين ومن ذلك قضاؤه على بدعة معروفة تعرف \"بحل أصرر\" وهي عادة نصرانية لم يكن الناس يستشعرون أصلها النصراني، وكذلك بعض البدع الأخرى التي أزالها أو تمكن من إزالتها ولو جزئيا في بعض المناطق.

ويتمتع الشيخ عدود رحمه الله بملكة عجيبة في الحفظ ورثها عن والده محمد عالي، الذي يعرف عنه أنه كان يحفظ كل ما يسمع، والغريب أنه يحفظ ما يتناجى به شخصان ومن ذلك أنه سمع أشخاصا يتناجون بقصائد فحفظها. وقد درب ابنه الشيخ محمد سالم على ذلك حتى صقل هذه الملكة والموهبة.

فحدث أن اصطحب الشيخ محمد عالي ولده محمد سالم وكان يدرسه ترجمة الفاعل وشواهد كثيرة لها، ولما جلسا قال محمد سالم لوالده لقد حفظت 50 بيتا من هذه الشواهد في السماع الأول وأنشده إياها. وفي المجال الإنساني كان الشيخ رقيقا حنونا إذا رأي ضعيفا أو مظلوما لم تمنعه الشجاعة المعروفة عنه من أن تسيل دموعه ويرق لحاله، حيث كان يحضر مجالس العزاء والمناسبات الاجتماعية وينصح الناس، رجالا ونساء، أطفالا وكبارا، ويصحب حتى من هم أصغر سنا منه، ومثال ذلك صداقته لجمال ولد الحسن الذي كان بمثابة ولده وكذلك إبراهيم ولد الشيخ سيديا.

وكانت لديه صداقة حميمة مع كبار السن فالمختار ولد حامد وأب ولد أن وعدد كبير من الذين اشتركوا معه في العمل أصدقاء له رغم أن المختار كان بسن والده.

والشيخ رحمه الله لم يكن يضربنا في تأديبه لنا وإنما كان إذا رأي من أحدنا ما لا يرضيه يغضب غضبا شديدا حتى يجف لسانه عن الكلام ولم يضرب أحدا منا قط.

ومن المعلوم أن محظرة الشيخ قديمة يعود تاريخ إنشائها إلى حوالي 300 سنة كما أن والده يعتبر أحد أعلام هذه المحظرة، الذين أعطوها شهرة كبيرة. ورغم أن الشيخ شغل عن التدريس في المحظرة، إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يشغل جميع وقته بالتدريس، حتى في الطائرة وكان رحمه الله يحب أن يستفتيه الناس ومن ذلك قوله:

وبعضه نظمته في القاهرة

وبعضه نظمته في الطائرة

وقد سئل عن اللحوم المستوردة من أوربا فقال فيها:

تفاحة جنية لتوها

خفيفة مثل طعام جوها

وكان حينها في الطائرة والقصيدة طويلة تحمل فتوى متكاملة.

وفي فترة عمله كان له طلاب يرافقونه وكان إذا أخذ الإجازة عاد إلى المحظرة ليزاول التدريس فيها.

وكانت محظرته تستقبل طلابا من الشيشان وأذربيجان وأوربا وأمريكا ومن داخل البلاد.

وفي المحظرة الآن نساء من الجزائر ومن ليبيا يدرسن كما يدرس أزواجهن وهذه ورثها كذلك عن والده. والشيخ محمد سالم كان يرى أن العلم حق للجميع وأنه عبادة بذاتها كما كان والده يقول: لا فرق عندي بين الصلاة والقراءة والتدريس فكلاهما يلزم الخشوع ويلزم أن يكون عبادة لله خالصة وكان يكره الكلام أثناء التدريس.


بحث هذه المدونة الإلكترونية

المتابعون